سورة الروم - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} [الرّوم: 30/ 17- 19].
الدنيا مملوءة بالأشياء المختلفة، والمتناقضات والأضداد، تحقيقا لتكامل الكون، وإدراك الفروق والتفاوت بين المخلوقات، فنجد الكفر مقابلا للإيمان، والشقاء موازيا للسعادة، والقبح في مواجهة الجمال، والرذيلة تنافس الفضيلة، والنقمة أمام النعمة، والعذاب قرين الرحمة، وكل واجهة من هذه الواجهات تأكيد لحرّية الإنسان، وتقرير لممارسة حقّه في الإرادة والإختيار، فهو الذي يقبل على ما فيه الوصول إلى رحمة الله ورضوانه، وهو الذي يزجّ بنفسه في موجبات العذاب والعقاب.
إن هذه الآيات تحدّد أوقات التسبيح والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، وتعيّن أوقات الصلاة، والمؤمن يحرص على هذه الأوقات لأداء واجبه وإبراء ذمّته، فيسبح الله، أي ينزهه عن جميع صفات النقصان، ويثبّت له كل صفات الكمال، في جميع أوقات الليل والنهار، يسبح الله بأمره حين ابتداء المساء أو الليل، وحين طلوع الفجر أو النهار، ويحمد الله تعالى جميع من في السماوات والأرض، من ملائكة وجنّ وإنس، وجماد ونبات، وحيوان، ويسبح الإنسان الله وينزهه أيضا في وقت العشي أو العشاء، وهو شدة الظلام، وفي وسط النهار وقت الظهيرة.
قال ابن عباس وقتادة وبعض الفقهاء: في هذه الآية تنبيه على أربع صلوات:
المغرب، والصبح، والعصر، والظهر. والعشاء الآخرة في رواية أخرى. والواقع أن الآية تشمل أوقات الصلاة الخمسة، لأنّ العشي وقت العشاء، والمغرب وقت الإمساء، والصبح وقت الإصباح، والظهر والعصر من بعد تحوّل الشمس إلى جهة الغرب.
والمعنى: نزّهوا الله تعالى عن صفات النقصان، وصفوه بصفات المجد والكمال، في جميع هذه الأوقات المتعاقبة، من طلوع الفجر إلى غسق الليل، لأن أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله أدومها وأبقاها.
ومما يستدعي تسبيح الله وتنزيهه: ثبوت قدرته الخارقة، فالله هو القادر على الإحياء والإماتة، يخرج الإنسان الحي وغيره من التراب الميت، ثم من النطفة، ويخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكلمة (الحي والميت) في هذه الآية، تستعمل حقيقة ومجازا، أما الحقيقة: فهي المني يخرج منه الإنسان، والبيضة يخرج منها الطائر، وهذه بعينها تخرج من حي، ونحو ذلك. وأما المجاز: فهي إخراج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وإخراج النبات الأخضر من الأرض، وإخراج الطعم من النبات.
والله تعالى يحيي الأرض بالمطر، فيخرج النبات من الحبّ، والحبّ من النبات، ومثل ذلك الإخراج تخرجون من القبور أحياء بعد أن كنتم أمواتا، وذلك على الله يسير. أي إنه تعالى بعد إيراده الأمثلة الواضحة ببعث الأجساد عقلا، أبان أنه كذلك خروجنا من القبور.
هذه الأمثلة الحسّية والمقارنات توضّح للناس طريق الإيمان، وكيفية ارتباط الحياة الدنيوية بالحياة الأخروية، وما أكثر هذه الأمثلة في القرآن الكريم، ومنها: {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحجّ: 22/ 5].
بعض أدلة القدرة الإلهية والوحدانية:
لقد ذكر الله تعالى مجموعة من البراهين الساطعة العظيمة الدّالة على قدرته الباهرة وعظمته وتوحيده، وهي تشمل بدء خلق الإنسان من تراب، وخلق الأزواج من جنس الأزواج، وإيجاد رباط مودة ورحمة بين الزوجين، وخلق السماوات والأرض، واختلاف الألسنة والألوان، والنوم بالليل والنهار، وطلب الرزق من فضل الله، وإراءة البرق، وقصف الرّعد، وإنزال المطر من السماء، وقيام السماء والأرض بأمره وتدبيره، والاستجابة لأمره بالإعادة أحياء، وملكه جميع من في السماوات والأرض، والتذكير ببدء الله الخلق، ثم إعادتهم أحياء من القبور. وهذا ما أوردته الآيات الكريمة التالية:


{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} [الرّوم: 30/ 20- 27].
الآية الأولى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} نزلت فيما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: تعجّب الكفار من إحياء الله الموتى، فنزلت: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.
والمعنى: من آيات الله تعالى الدّالّة على عظمته وتمام قدرته على الخلق والإعدام، أن الله تعالى خلقكم أيها البشر في الأصل والبدء من تراب، وجعل مصدر غذائكم من لحوم الحيوان والنبات من التراب، ثم بعد إنشائكم ووجودكم لإعمار الأرض وتقدّمها تتوزّعون فيها لأغراض شتى، من بناء المدائن والحصون، وزراعة الأرض والحقول، والانتقال في الأسفار لكسب المعايش وتحصيل الأرزاق، وجمع الأموال.
وللحفاظ على النوع الإنساني، جعل الله تعالى من العلامات الدّالة على قدرته ورحمته وهيمنته: خلق النّساء من جنس الرجال، وإيجاد ووشائج وصلات وثيقة بين الرجل والمرأة، قائمة على المودّة (أي المحبة) والرحمة (أي الشفقة) ليتعاون الجنسان على تحمّل أعباء الحياة، وترابط أفراد الأسرة، إن في ذلك الخلق والإيجاد وتكوين جسور المودة والألفة بين الأزواج، للسكن والاستقرار والهدوء، إن في ذلك لآيات أو علامات لقوم يتفكرون ويتأمّلون في هذا.
ومن آيات الله أيضا الدّالة على قدرته وعظمته: خلق السماوات والأرض من غير أعمدة ولا قواعد، واختلاف الألسنة واللغات والألوان، إن في ذلك المذكور لآيات دالّة على قدرة الله التامّة لقوم ذوي علم وبصر ومعرفة ترشدهم إلى الحق.
ومن آيات الله الدّالة على قدرته العجيبة: منامكم في الليل والنهار، وطلبكم الفضل والرزق من الله، إن في ذلك المذكور لدلالة لقوم يسمعون سماع تدبّر واتّعاظ. ومن آيات الله الدّالة أيضا على تمام القدرة وثبوت الوحدانية إراءتكم البرق خوفا للمسافر من الصواعق المحرقة، وطمعا فيما تحبّون من المطر المحتاج إليه للإنسان والحيوان والنبات، إن في ذلك المذكور لدلالات واضحات لقوم يدركون هذا بعقولهم وأفكارهم.
ومن آياته تعالى الدّالة على قدرته: قيام السماء بلا عمد والأرض بلا قواعد، بأمر الله وتدبيره، ثم إذا دعاكم الداعي للخروج من القبور أحياء، خرجتم من غير انتظار. ولله جميع من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصرّفا، وهم جميعا خاضعون لله، خاشعون لعظمته وهيبته.
والله تعالى هو الذي بدأ الخلق من غير مثال أو أصل سابق له، ثم يميته ويعيده كما بدأه، وذلك أيسر وأسهل عليه، بحسب منطق البشر، فإن الإعادة أهون من الابتداء في تقديرنا، أما بالنسبة لله تعالى، فهما سواء، لا فرق بين البدء والبعث، لأن الله قادر على كل شيء.
ولله تعالى الصفة العليا الكاملة في جميع السماوات والأرضين، وهو القوي في ملكه الذي لا يعجزه شيء، الحكيم في صنعه وتدبيره، وأمره ونهيه.
فساد اعتقاد المشركين بالأصنام:
شيئان اثنان هما أخطر شيء على النفس الإنسانية وهما الهوى والجهل، وكلاهما يؤديان للإسراف في القول والعمل، والضلال في التّصرفات وسوء السلوك، ويكون الإنسان في النهاية هو الضحية، لأنه لم يتدارك تقصيره، ولم يفعل شيئا لتبديد جهله، ولم يروّض نفسه على التّرفع عن أهوائه، وظلّ أسير التقليد الأعمى، وفريسة الموروثات والأساطير الخرافية. هذا هو شأن عبدة الأصنام، إنهم بدائيون جهلة وثنيون، يسيرون في فلك الأهواء والشهوات، ويسدّون على أنفسهم باب العلم والتّبصر، ومحاولة تصحيح التصوّر والاعتقاد الفاسد، وقد عمل القرآن الكريم على تبصيرهم وتوعيتهم، وتحذيرهم، وإنقاذهم من وهدة الضلال، كما تصوّر هذه الآيات:


{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29)} [الرّوم: 30/ 28- 29].
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال- في بيان سبب نزول الآيتين-: كان يلبّي أهل الشّرك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فأنزل الله: {هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ}.
أبان الله تعالى في الآيتين الكريمتين أمر الأصنام، وأوضح فساد معتقد من يشركها بالله تعالى، بضرب هذا المثل الحسّي الواقعي، ومعناه: جعل الله لكم مثلا أيها المشركون تشهدونه من أنفسكم، وهو: هل ترضون أن يكون لكم شركاء في أموالكم، من عبيدكم يساوونكم في التصرّف فيها، تخافون أن يقاسموكم الأموال؟
إذا كنتم لا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف تجعلون لله شركاء من عبيده ومخلوقاته؟!
وبعبارة أخرى: إنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم، فإنهم لا تشركونهم في أموالكم ولا في أموركم، وليس من شأنكم السماح لهم في إرث أموالكم أو مقاسمتهم إياها في حياتكم، فإذا كان هذا فيكم في علاقتكم بعبيدكم، فكيف تقولون: إن من عبيد الله وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون لربّكم ما لا يليق عندكم بأتباعكم؟ إن مثل هذا التفصيل والبيان لإلزام الحجة، نفصّل الآيات ونوضّحها لقوم يفكّرون في عقولهم تفكيرا سويّا، ويتأمّلون فيما يقال لهم من الأدلّة والبراهين المنطقية.
والواقع أنكم أيها المشركون لا تفكّرون تفكيرا صحيحا، وإنما تسيرون مع الأهواء والأساطير، ليس لكم حجة فيما فعلتم من جعل الأصنام شركاء مع الله تعالى، بل اتّبعتم أهواءكم جهالة وشهوة، وقصدا لتحقيق مصالح دنيوية، وسرتم في عبادة الأوثان، من غير عقل ولا وعي، ولا هدى ولا بصيرة.
وحيث بقيتم مصرّين على الشّرك، ولم تفكّروا في ترك عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع، فإنكم تستحقّون التوبيخ والتهديد بالعقاب، ولا أمل في هدايتكم إذا تركتم هداية الله لكم، ومن الذي يرشدكم إلى الحق، ويهديكم إلى الخير والسداد وصحة الاعتقاد، إذا أمعنتم في الضلال، واخترتم الكفر على الإيمان؟ وزادكم الله ضلالا على ضلالكم الذي اخترتموه منهاجا لكم، واعتمدتم على أنفسكم، فإنكم تستحقون العذاب، ولا يكون لكم حينئذ ناصر ينصركم من بأس الله وعذابه، لأن الله أعذر حين أنذركم. وعدله يقتضي التسوية بين أهل الضّلال، كالتسوية بين أهل الإيمان، والتفرقة بين الفريقين.
إن هذه الآية المبدوءة بكلمة {بَلِ اتَّبَعَ} هو إضراب عما يتضمّنه معنى الآية الأولى، كأن الله يقول: لا حجة ولا معذرة لعبدة الأصنام في نسبتهم الشريك لله، بل إنهم اتّبعوا أهواءهم جهالة وشهوة. وتكون النتيجة أنه لا ناصر لهم ينقذهم، ولا مخلّص لهم من العقاب المستحقّ عليهم، فإن العقاب حقّ وعدل. لكل جان، سواء في جنايات النفوس والأموال أو في جنايات العقائد والأديان.
الإسلام دين الفطرة والتوحيد:
وجّه القرآن الكريم الناس إلى ما يصلحهم وينفعهم، وينسجم مع فطرتهم البشرية، وحقيقة هذا الوجود، الذي يدين طوعا أو كرها، لخالق الأرض والسماء، ويقرّ بوحدانية الله تعالى على النحو الذي خلق الله عليه كل إنسان، وهو الاعتراف بربوبية الله وتوحيده، ولا مجال بعدئذ لكل ما يشوّه الفطرة، ويعصف بالإنسان، ويرميه في وهاد الزيغ والضلال والانحراف، أو يجعله في شعاب الفرقة والاختلاف، من غير فائدة ولا مصلحة، وهذا ما نجده صريحا في أوامر الله تعالى حيث قال سبحانه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5